• ٢٤ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ٢٢ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

معنى العيد وفلسفة تشريع الأعياد

معنى العيد وفلسفة تشريع الأعياد

◄يُطلق العيد على كلّ يوم يجمع الناس عامّة، وأصله من العود لأنّه يعود كلّ عام ويتكرّر، وقيل معناه اليوم الذي يعود فيه الفرح والسرور. ولقد كانت الأعياد متداولة بين الأُمم السابقة فقد قال الله عزّوجلّ وهو يذكر تحاور السحرة مع فرعون: ﴿فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِثْلِهِ فَاجْعَلْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ مَوْعِدًا لا نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلا أَنْتَ مَكَانًا سُوًى * قَالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى﴾ (طه/ 58-59) والمقصود من يوم الزينة هو يوم العيد، فيوم العيد هو يوم الاجتماع العامّ الشامل.

يوم العيد يوم الاجتماع ورمز الوحدة

الإسلام ينظر إلى الأعياد بنظرة متميزة، فيرى أنّ العيد فرصة للاجتماع الإيماني الكبير بهدف ذكر الله وإحياء السنن وذكر الله والتوجّه إليه بالدُّعاء والابتهال إليه فعن الإمام علي بن موسى الرِّضا (ع)‏: «أنّه إنّما جُعِلَ يومُ الفِطرِ العيدَ ليكون للمسلمين مُجتمعاً يجتمعون فيه ويَبرُزون لِلهِ عزّوجلّ، فيُمَجِّدُونه على ما مَنَّ عليهم فيكون يومَ عيدٍ ويومَ اجتِماعٍ ويومَ فِطرٍ ويومَ زكاةٍ ويومَ رَغبَةٍ ويومَ تَضَرُّعٍ ولأنّه أوّلُ يومٍ من السَّنةِ يَحِلُّ فيه الأكلُ والشربُ، لأنّ أوّلَ شهورِ السَّنةِ عندَ أهلِ الحقِّ شهرُ رمضانَ فأحبَّ اللهُ عزّوجلّ أن يكون لهم في ذلك مَجمَعٌ يَحمَدُونَهُ فيه ويقدِّسُونَهُ»[1].

ولقد صرَّح الإمام أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (ع) بأنّ يوم العيد هو يوم الذكر والدُّعاء في خطبته التي أوردها في يوم الجمعة باعتباره يوم عيد قائلاً: «ألا إنّ هذا اليومَ يومٌ جعلَهُ اللهُ لكمْ عيداً، وهو سيِّدُ أيّامِكم وأفضلُ أعيادِكم، وقد أمرَكم اللهُ في كتابِهِ بالسعي فيه إلى ذِكرِهِ فَلتَعظُم رَغبَتُكُم فيه ولتَخلُص نيَّتُكم فيهِ، وأكثِرُوا فيهِ التضرُّعَ والدُّعاءَ ومسألةَ الرحمةِ والغُفرانِ فإنّ اللهَ عزّوجلّ يَستَجِيبُ لكلِّ مَن دَعَاهُ ويُورِدُ النّارَ مَن عَصاهُ وكلَّ مُستَكبِرٍ عن عبادتِهِ، قالَ اللهُ عزّوجلّ: ﴿ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ﴾، وفيهِ ساعةٌ مبارَكَةٌ لا يسألُ اللهَ عبدٌ مؤمنٌ فيها شيئاً إلَّا أعطاهُ»[2].

ما هي النظرة القرآنية إلى العيد؟

القرآن الكريم ينظر إلى الأعياد التي يعترف بها على أنّها من أيّام الله وأنّها من أبرز مظاهر العبودية حيث يجتمع فيها الناس على طاعة الله ومرضاته، ولذا نجد أنّ القرآن عندما يذكر العيد يهتم ببيان موضع الخطأ في فهم الناس ليوم العيد فيصحح الخطأ.

قال تعالى: ﴿ إِذْ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ﴾ (المائدة/ 112).

﴿اتَّقُوا اللهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ (المائدة/ 112).

﴿قَالُوا نُرِيدُ أَنْ نَأْكُلَ مِنْهَا وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنَا وَنَعْلَمَ أَنْ قَدْ صَدَقْتَنَا وَنَكُونَ عَلَيْهَا مِنَ الشَّاهِدِينَ﴾ (المائدة/ 113).

﴿قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنْزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ تَكُونُ لَنَا عِيدًا لأوَّلِنَا وَآخِرِنَا وَآيَةً مِنْكَ وَارْزُقْنَا وَأَنْتَ خَيرُ الرَّازِقِينَ﴾ (المائدة/ 114).

﴿قَالَ اللهُ إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَابًا لا أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ﴾ (المائدة/ 115).

نلاحظ كيف أنّ الحواريين رغم قربهم للنبيّ عيسى (ع) كانوا بعيديين عن روح الديانة الإلهيّة، ذلك لأنّ الله سبحانه وتعالى ينزل من السماء الآيات والكُتُب لتكون دستوراً للناس يضمن لهم سعادة الدُّنيا والأخرة، إلّا أنّ الحواريين طلبوا من المسيح أن ينزل عليهم مائدة من السماء، وجعلوا القصد من ذلك الأكل منها، ولاطمئنان قلوبهم بصدق النبيّ عيسى والحال أنّهم كانوا يدعون الناس إلى اتّباع المسيح!

هذا مضافاً إلى ملاحظات أُخرى منها أنّ تعبيرهم لم يكن مناسباً بل فيه دلالة على عدم إيمانهم الكامل بالمسيح وبرسالته، حيث أنّهم يخاطبون المسيح بكلمة «ربّك» بدل «ربّنا»! فلذلك نَهَرهم النبيّ عيسى وأمرهم بالتقوى، ثمّ صحح أخطاءهم ولبّى طلبهم لكن بقصد آخر، فطلب من الله تعالى، أن ينزل عليهم مائدة من السماء لتكون هذه المائدة عيداً لأُولهم وآخرهم، ﴿تَكُونُ لَنَا عِيدًا﴾ أي تكون ذكرى معنوية تعود عليهم بالخير والبركة كلّما تتجد هذه الذكرى في كلّ عام، لأنّها حركة رسالية وآية من آيات الله عزّوجلّ.

هل يوم العيد يوم فرح وزينة وابتهاج؟

ممّا يؤسف له أنّ الاعياد الإسلامية تحوّلت في مجتمعنا الإسلامي من مناسبات روحانية وعبادية تجمع الناس بعضهم إلى بعض وترص صفوفهم لمواجهة مشاكل الأُمّة الواحدة بروح الأخوّة والكرامة والتعاون إلى مناسبات تطغى عليها مظاهر الزينة والتفاخر والأكل والشرب والإسراف والترف، بل إلى مناسبات لهوية لفعل المنكرات خلافاً لفلسفة تشريع الأعياد. إنّ الإمام عليّ (ع) قال في بعض الأعياد: «إنّما هو عيدٌ لِمَن قَبِلَ اللهُ صِيامَهُ وشَكَرَ قِيامَهُ، وكلُّ يومٍ لا يُعصى اللهُ فيهِ فهو عيدٌ»[3].

يوم عيد الفطر يوم توزيع الجوائز

إنّما يفرح في يوم العيد من غُفِر له فيعيش حلاوة المغفرة الإلهيّة، ويستلم جوائز الرحمن الرحيم. قال العلّامة المجلسي: «فإذا صارَت ليلةُ عيدِ الفطرِ وتُسمّى ليلةَ مَنحِ الجوائزِ، يُكافِئُ اللهُ تعالى العاملين في هذا الشهرِ المبارك بلا حِساب».

وعن جميلِ بنِ صالحٍ عن الإمام الصادق (ع) قال: «إذا كان صَبِيحةُ يومِ‏ الفِطرِ نادى مُنادٍ اغدُوا إلى جوائزِكم»[4].

أمّا مَن لم يُغفر له فأنّى له أن يفرح ويمرح، وقد قال رسول الله (ص) في خطبته المعروفة التي أدلى بها في الجمعة التي سبقت شهر رمضان: «فإنّ الشقِيَّ مَن حُرِمَ غُفرانَ اللهِ في هذا الشهرِ العظيمِ»[5].

إذن فمَن لم يغفر له ولم يستلم الجائزة كيف يفرح!

كيف كان أئمّة أهل البيت (ع) في مناسبة العيد؟

عن جعفرِ بن محمّد الصادق عن أبيهِ (ع) قال: «كان عليُّ بن الحسين السجّاد (ع) يُحيي ليلةَ عيدِ الفِطرِ بصلاةٍ حتى يُصبِحَ وَيَبِيتُ ليلةَ الفِطرِ في المسجِدِ ويقولُ يا بُنيَّ ما هي بدون ليلةٍ يعني ليلةَ القَدرِ»[6].

وقال رسول الله (ص): «مَن أحیا لیلةَ العیدِ ولیلةَ النِّصفِ من‏ شعبانَ، لم یَمُتْ قلبُهُ یومَ تموتُ القلوبُ»[7].

خطبة الإمام أمير المؤمنين (ع) في عيد الفطر:

عن الصادقِ جعفرِ بن محمّدٍ عن أبيهِ عن جدِّهِ (ع) قال: خَطَبَ أميرُ المؤمنين عليُّ بن أبي طالبٍ (ع) للناسِ يومَ الفِطرِ فقالَ: «أيُّها الناسُ، إنّ يومَكم هذا يومٌ‏ يُثَابُ‏ فيهِ المُحسِنون ويَخسرُ فيهِ المُسِيئون، وهو أشبهُ يومٍ بيومِ قِيامَتِكم، فاذكُرُوا بِخُرُوجِكم من مَنَازِلِكم إلى مُصَلَّاكم خُرُوجَكم من الأجدَاثِ إلى ربِّكم، واذكُرُوا بِوُقُوفِكم في مُصلَّاكم وُقُوفَكم بين يَدَيْ ربِّكم، واذكُرُوا بِرُجُوعِكم إلى مَنَازِلِكم رُجُوعَكم إلى مَنَازِلِكم في الجنّةِ أو النّارِ.

واعلَمُوا عِبادَ اللهِ أنّ أدنَى ما للصَّائمِين والصَّائماتِ أن يُنادِيَهم مَلَكٌ في آخِرِ يومٍ من شهرِ رمضانَ أبشِرُوا عِبادَ اللهِ فَقَد غُفِرَ لكم ما سَلَفَ من ذُنُوبِكم، فانظرُوا كيفَ تكُونُون فِيمَا تَستأنِفُون»‏[8].►


[1]- مَن لا يحضره الفقيه، الشيخ الصدوق، ج1، ص522.

[2]-  المصدر نفسه، ص431.

[3]- نهج البلاغة، تنظيم صبحي الصالح، ص551.

[4]- الكافي، للكليني، ج4، ص168.

[5]- وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج10، رقم الحديث13494، ص 313.

[6]- بحار الأنوار، العلّامة المجلسي، ج88، ص119.  

[7]- ثواب الأعمال وعقاب الأعمال، الشيخ الصدوق، ص76.

[8]- الأمالي، الشيخ الصدوق، ص100.

ارسال التعليق

Top